مكناس..برنامج التنمية المجالية المندمجة، توجه تشاركي لارساء تنمية مستدامة

 

حسن جبوري 

في خطابه التاريخي بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لتربعه على عرش أسلافه الميامين، وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس دعوة واضحة وحاسمة نحو تجاوز المقاربات الحالية للتنمية المجالية، مؤكدا على الانخراط الفعلي في نموذج تنموي جديد قائم ومرتكز على التنمية المجالية المندمجة مؤكدا على أن الهدف الأساسي من هذا التوجه هو تحقيق العدالة المجالية المرتكزة على الأولويات المحققة لجودة الحياة من خلال برامج تنموية فعالة ومستدامة لضمان وصول ثمار التنمية لجميع المواطنين والمواطنات ، بكل المناطق والجهات، دون تمييز أو إقصاء، بما يحقق العدالة الاجتماعية والتوازن الترابي على المستوى التنموي

فمن خلال الخطاب التاريخي لعيد العرش المجيد شدد جلالة الملك على ضرورة اعتماد نموذج تنموي مراع للخصوصيات المحلية، ومعزز لمكتسبات الجهوية المتقدمة، عبر مبدأ التضامن والتكامل بين المجالات الترابية. ويعد هذا التوجيه محطة فاصلة في مسار تجديد اهداف النموذج التنموي، حيث ينتقل من منطق التوجه التجزيئي إلى تصور شمولي مندمج معتمد على رؤية تنموية استباقية

في هذا السياق، يأتي برنامج التنمية المجالية المندمجة (PDTI) كأداة تخطيطية استراتيجية طموحة، تهدف إلى بلورة تنمية محلية شاملة ومتوازنة على مستوى الجماعات الترابية ارتكازا على مقاربة تشاركية مدمجة لجهود مختلف الفاعلين المحليين، من سلطات محلية، جمعيات مدنية، قطاع خاص، ومواطنين مستجيب لخصوصيات المجال واحتياجات الساكنة.

وتستند رؤية البرنامج إلى إرساء تنمية ترابية مستدامة، تتميز باقتصاد دينامي، وحكامة تشاركية فعالة، لضمان توزيع عادل للفرص والموارد.

كما يرتكز البرنامج على أربعة أهداف استراتيجية كبرى تتجسد في

: تحسين ظروف عيش السكان،

خلق مناصب شغل مستدامة،

تقوية البنيات التحتية الأساسية، وحماية البيئة والتراث الثقافي

و تعزيز دور الجهات في تدبير الشأن المحلي.

ويرتقب ُان ينفَّذ برنامج التنمية المجالية المندمجة وفق منهجية علمية ومضبوطة تشمل خمس مراحل متتالية

1. الإعداد والتخطيط المبدئي: تشكل خلاله لجان استشارية واستراتيجية وتقنية، إلى جانب لجان تشاور تضم ممثلين عن السكان و الجمعيات، والقطاع الخاص، بهدف ضمان مشاركة فعّالة وشفافة منذ المراحل الأولى.

2. التشخيص التفصيلي: تجمع خلاله المعطيات الكمية والنوعية حول الوضع الاقتصادي،والاجتماعي، والبيئي، والثقافي للمجال، من خلال ارضيات SWOT (الفرص، التهديدات، نقاط القوة، نقاط الضعف) عبر ورشات عمل واستبيانات ميدانية.

3. صياغة الاستراتيجية والخطة العملية: تحدد فيها الرؤية المستقبلية للجماعة، والأهداف الاستراتيجية عبر أربعة محاور رئيسية:

· محور اجتماعي (التعليم، الصحة، الشباب، السكن)

· محور اقتصادي (الفلاحة، السياحة، الصناعة التقليدية، الاقتصاد الاجتماعي والتضامني)

· محور بيئي (تدبير النفايات، الحفاظ على الموارد الطبيعية، الطاقات المتجددة)

· محور الحكامة (الشفافية، الرقمنة، تعزيز المشاركة المواطنية) كما تحدد المشاريع النوعية، وتوضع خطة عمل مفصلة تشمل جدولاً زمنياً، وميزانية تقديرية، ومصادر محتملة للتمويل.

4. المصادقة والتتبع: تعرض الخطة على المجلس الجماعي والسلطة الوصية للمصادقة، وتنشأ آليات تقييم وتتبع دورية عبر لجنة متعددة الفاعلين، مدعومة بمؤشرات أداء واضحة وقابلة للقياس.

5. التنفيذ والتقييم المستمر: تنفذ المشاريع وفق الأولويات المحددة، وتقيم النتائج بانتظام، مع إمكانية إعادة التوجيه أو التعديل حسب التطورات الميدانية والمستجدات المحلية.

ولضمان نجاعة هذا البرنامج، تعد المشاركة المواطنة، والتشخيص الدقيق، والتنسيق بين المتدخلين، والمرونة في التكيف مع التحديات عناصر حاسمة. وبفضل هذه المقاربة الشاملة، يصبح برنامج التنمية المجالية المندمجة أداة فعالة لترجمة التوجيهات الملكية إلى واقع ملموس، ودعامة أساسية لتحقيق تنمية محلية مستدامة، تلبي تطلعات الساكنة، وتساهم في تقليص الفوارق المجالية، وبناء مجتمع ترابي عادل ومتضامن.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...