أحمد اليعقوبي يكتب : في زمن التكنولوجيا و تردي القيم … هل فشل الأباء في تأطير أبنائهم ..!!

لا يحتاج المرء ان يكون باحثا تربويا او عالما سوسيولوجيا..او حتى دارسا لعلم النفس وعلم الاجتماع ليؤكد لنا طغيان ظاهرة تمرد الابناء على ابائهم او تمرد هم على تربيتهم،، في زمننا الردئ هذا ، زمن تردي القيم الانسانية في شكلها العام ..والاجتماعية او الاقتصادية بشكل خاص ..
هذا الموضوع تناوله عدد من الباحثين باسهاب في شتى المجالات التربوية..وإذا كانوا قد وفقوا في رصد الظاهرة وتحليلها فإن الإتيان بوصفة حلول مسألة ما تزال تطرح تحديا جليا حتى لا نقول صعبا او مستحيلا ، شأنها شأن كثير من الظواهر التي تخص العلوم الانسانية…
هنا لا ندعي تملك هذه الوصفة او الوصفات ^ العلاجية ^ لهكذا مشكلة اجتماعية ، بقدر ما نسعى بدورها الى التنبيه مجددا وقرع ناقوس خطر للوضع التربوي ، من خلال موقعي كأستاذ ومدرس لفئة عمرية على حافة القفز الى مستقبل ناجح او الوقوع في الانحراف والعطالة فيما هو قادم عمريا على المستوى الدراسي او المهني ..
أحصر كلامي هنا في علاقة الابن بأبويه (اوالبنت ) في بعد المتابعة الدراسية و التحفيز والتأطير في هذا المجال ..وهنا أقصد ابناء في عمر الزهور قبل أن تذبل ..أبناء على عتبة الاختيار المستقبلي، الذي من شأنه تأهيل مواطن ( أو مواطنة )قادر على النجاح وتدبير شؤونه باستقلالية…
وطبعا من عايش هذه الفئة من خلال تدريس أفواج عديدة ومتنوعة لمدة تزيد عن تلاثين سنة ،، فالأكيد انه يمتلك من خلال هذه المعاينة المستمرة اكثر مما يدعيه كل باحث اكاديمي يحاول، من مكتبه، تمثل هذه المرحلة باسقاط ذاته كشاب ناجح سابقا ومرتاح حاليا ! او ربما باستقراء بيانات إحصائية غير موثوقة علميا ..
اولى الملاحظات من خلال هذه المعاينة وجدت ان هؤلاء الوالدين الذين جاهدوا للانتقال بإبنهم/ إبنتهم من مراحل الرضيع ثم الطفل الى غاية المراهق، يجدون انفسهم في حيرة من أمرهم امام الانقلاب المخيف لإبنهم في سلوكاته المتعددة ..سيما عندما يطبعها الاستهتار و غياب الشعور بالمسؤولية ..بل تجد الأم او الأب في غاية الحزن المخيف من وضع مؤسف ينتظر إبنهم
وما يزيد من هذه الحيرة والقلق كذلك ،، كون هذا المقبل على الرجولة ، بمعنى التحمل الكامل للمسؤولية ، ما يزال يصر على البقاء في وضعية ذهنية طفولية مراهقة ولا يرغب في مغادرتها!!
ملاحظة ثانية تتمثل في أن هذا الامر يخص عددا ملحوظا من ابنائنا ولا يمكن تعميمه ..حيث ما زلنا نرى ونعيش صورا ايجابية لشباب وشابات نجحوا في علاقاتهم مع والديهم ورسموا لأنفسهم مسارات حياتهم بكل وعي وتبصر ، طبعا استرشادا بتوجيهات والديهم او ذوي الخبرات ..
وكالعادة فالحالات السلبية هي التي تستوجب الوقوف عندها من أجل محاولة البحث عن حلول لها ..ولا يختلف اثنان في كون التحول الذهني والسلوكي لدى المراهق من شأنه ان يرمي به الى فضاء السلبيات سواء كانت على شكل انحرافات او تمردات على جملة من القيم ..من بينها القيمة الاجتماعية والدينية المتمثلة في احترام الوالدين والاسترشاد بأرائهم…
وبحكم مهمتي كمدرس لهذه المرحلة العمرية ،،لا أنكر حجم المآسي والمعاناة التي يعيشها عدد من الاباء والأمهات وهم يتابعون ابناءهم ..
ويبدو ان العلاقة العمودية الصحيحة بين الأب والإبن تحولت لدى بعض من هذا الجيل إلى علاقة عكسية الاتجاه ،،او في أحسن الأحوال، افقية بينهما ، بمعنى ان الابن يضع نفسه في نفس المكانة الاعتبارية للاب وغير مهتم باقتراحاته ،، حتى لا نقول اوامره ..بل يدعي أكثرهم انهم اكثر وعيا وفهما من هؤلاء الكبار الذين تجاوزهم الزمن !!
وفي عدد من الحالات تصبح السلطة عكسية و متمردة وفي يد الابن وفي وجه الاب أوالأم .. هذا ان لم تتحول إلى تهديد وسلوك خشن او متوحش..!!

ملاحظتي الثالثة تخص الناس الذين نجحوا في تربية أبنائهم..واوصلوهم الى مناصب موفقة، او لنقل نجح ابناؤهم في مساراتهم ، يعتقدون ان هؤلاء الاباء فاشلون ولا يفهمون في عالم التربية ،، ويؤدون فاتورة تقاعسهم في هذه المهمة الأبوية اي أن مسؤولية فشل الإبن في مساره منوطة حصريا بالوالدين ..والحال أن هذا الكلام فيه كثير من الإختزال الظالم ويتجاهل حقيقة الواقع …وبالتالي يضعون الاباء ( الفاشلين ) في زاوية الاتهام ..فالأب بحكم واقعه وتقافته ليس مؤهلا بالضرورة لأن يكون ناجحا في عالم التربية..فما بال الام ان كانت فقط متعلمة ( حتى لا نقول مثقفة ) وأحيانا بعيدة عن مجال النظريات السلوكية …بل الأخطر من هذا كله ان أطرا أكاديمية في مجال التعليم عجزت عن إيصال ابنائها الى بر الأمان..
كما نجد بالمثل رجل سلطة، أو شخصية في موقع جد حساس .. يوجه ويتحكم في جيش من الناس تحت سلطته ..لكنه يصبح مسكينا امام شاب متمرد ببيته ، يسمى إبنه ، بل يمرغ انفه على سجادات صالونات فيلته الفاهرة !!
حمدا لله ان هذه الصور المرعبة ليست عامة .. فالاستثناءات عديدة ومتعددة وتمنع من اصدار أحكام قيمة جاهزة .. كما تجد الدكتور فشل في تأطير إبنه..تجد ذلك العامل الأمي يفخر بنجاح ولده..وكلا النموذجين استثنائيان بامتياز ، لا يجب ان يذران الرماد في الأعين..!!
طبعا قد يستعجل المرء في قراءة الوصف البئيس هذا ..ويقول ان كل هذا معروف وجلي ..فما الحل اذن؟؟
الحل كي ينجو الشاب ذو القدرات المعرفية من مصايد الفشل ..او كيف ينجح الاب والأم في ابعاده عن أي منحدر ؟؟
كاذب من يدعي وجود وصفة سحرية لهذا الأمر ..غير ان الإعداد القبلي للتنشئة أمر في غاية الأهمية ..اي أن الأمر يتطلب مرافقة دائمة ومتواصلة للطفل في سنوات الإبتدائي ..واي تخل عن هذه المهمة من شأنه إنتاج الفشل مستقبلا . هذه المهمة قام بها آباؤنا سابقا بدون وعي تربوي بل فقط بغريزة الخوف من المصير والقلق من تبعاته ..
أعتقد كما يعتقد الكثيرون ..ان مراجعة الأخصاء السلوكيين في التربية النفسية كذلك امر ضروري في بداية مراحل الشعور بالانحراف او التمرد او العصيان ..كون هؤلاء بإمكانهم الإفادة في التقويم البدائي..
ومن جهة الدولة عليها اعتماد الأخصائيين السيكولوجيين في المدارس للتوجيه والتأطير ومساعدة الأباء على كيفية مرافقة أبنائهم..
كل هذا مجرد اقتراحات بسيطة لا تعلو على الواقع الذي تعيشه اسرة الشاب او الشاب ..فالواقع له إفرازات حاسمة من شأنها إفشال او إنجاح الرسالة التربوية…
.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...