كريمة الزين تكتب عن “التمازج بين الحضارات وتلاقح اللغات”

بقلم كريمة الزين.

كلما غصنا في التاريخ القديم، نجد تمازجا بين الحضارات القديمة شئنا أم أبينا. فالعالم في حركة لا في سكون، في تآلف لا تنافر. فآباءنا و أجدادنا، كانوا يعيشون تحت سماء واحدة، رغم اختلاف الزمان و المكان. كيف حدث هذا التمازج اذن؟
هل سمعتم من قبل بالإله poseidon “بوسيدون” ؟ حسب الميثولوجيا الإغريقية فإن “بوسيدون” هو أب “ترايتون” و”عنتي”، وهو زوج “غايا” إلهة الطبيعة والأرض. كما أنه أب “أطلس” و “آثينا” في الميثولوجيا الإغريقية. أما في ميثولوجيا الأمازيغ فيعد “بوسيدون” إلاهًا ليبيا قديما، وعرف لديهم كإله للبحر.
ذكر “هيرودوت” وهو (مؤرخ إغريقي يوناني آسيوي، عاش في القرن الخامس قبل الميلاد) أن الإغريق اقتبسوه من الليبيين، وأكد أنه إله أمازيغي، بحيث لم يكن موجودا من البداية عند أي شعب من الشعوب، غير الليبيين الذين ظلوا على الدوام يعظمون هذا الإله.
وهذا إن دل على شيء، فإنه يدل على التاريخ المشترك بين الحضارة الامازيغية، و الحضارة اليونانية منذ ما قبل الميلاد.
تقول الأسطورة أن ابن poseidon وهو Antaeus أو “عنتي” Anti بالأمازيغية و الذي يطلق عليه حامي الأرض، تزوج بآلهة امازيغية اسمها tingis “طِنْجِيسْ” وعليها تم تسمية مدينة بشمال المغرب ب طنجة.
هذا التلاقح نجده أيضا في اللغة، نعم في اللغة، خذو معي كلمة “بَلَّارَجْ” ( هو اسم يطلق على طائر اللقلق ) فما أصل هذه الكلمة يا ترى ؟
بالفرنسية “la cigogne” بالإنجليزية “stork” بالاسبانية “cigüeña” بالايطالية “cicogna ” ، ولا واحدة من هذه الكلمات قريبة من “بلارج” . لكن مع قليل من البحث نجد أن اقرب كلمة لها يوجد في اللغة اليونانية pelargos “بلارجوس” وهذا أمر عادي مادامت الحضارتين لهما تاريخ مشترك منذ ما قبل الميلاد، كما سبق وأن ذكرنا.
كلمة أخرى في دارجتنا المغربية، نقول ” بَزّافْ” أي كثيرا، أما في اللغة العربية الفصحى فنقول “بِجِزَافٍ” بمعنى كثير بلا كيل و لا حساب. لكن حسب الخليل بن احمد الفراهدي (شاعر ونحوي عربي بصري، يُعد عالمًا بارزًا وإمامًا من أئمة اللغة والأدب العربيين، وهو واضع علم العروض، وقد درس الموسيقى والإيقاع في الشعر العربي ليتمكّن من ضبط أوزانه.) يرى أن هذه الكلمة أصلها آت من كلمة فارسية gezaf “ݣزاف” و التي تعني غال أو باهض، هذه الكلمة أيضا لم تبقى حبيسة بين الفارسية و العربية و الدارجة المغربية، بل انتقلت أيضا إلى المعجم الايطالي a bizzeffe و بنفس المعنى، و السبب راجع للروابط بين ايطاليا و شمال افريقيا. وهذا ما يوضح لنا أن التأثير و التأثر خاصية ثابتة بين اللغات و الحضارات، فلا وجود للغة صافية مئة بالمئة، دون أن تكون قد تأثرت سواء بالقليل أو الكثير من لغة حضارة أخرى….
ومن هنا يمكن القول أن اللغة العربية تأثرت بالأمازيغية رغم قول البعض بعدم وجود هذا التأثير، و هذا راجع الى التعصب العرقي للطرفين. هذا التعصب الذي لا أهمية له، مادامت اللغة ليست الهدف بحذ ذاتها، بل وسيلة فقط للتواصل مع الاخر ونقل الابداعات و الكتابات و الابحاث العلمية وغيرها من المعلومات، للحضارات الاخرى.
لقد نتج عن طول المدة التي دامت بين العربية والامازيغية، نوع من التمازج حتى أصبحنا نجد كلمات عربية في الأمازيغية تصل إلى 38 في المئة حسب دراسة سالم شاكر وهو (استاذ جامعي مختص في اللغة الامازيغية بجامعة aix-marseille .) ليس هذا فقط بل نتج عن هذا التمازج أيضا تأثير الامازيغية على العربية، مما نتج عنه لغة وسيطة وهي “الدارجة المغربية” حيث نجد أن البناء الداخلي لهذه اللغة أمازيغي، بينما المعجم الخاص بها مأخوذ من اللغة العربية. وهذه العلاقة كانت موضوع بحث مجموعة من المختصين اللغويين أمثال ذ. محمد شفيق و ذ. محمد المدلاوي.

 

يرى هؤلاء الباحثين المختصين أن:
• مخارج الحروف بينهما مشترك، مثلا تفخيم حرف الزاي في الامازيغية انتقل للدارجة، عكس المشارقة فهم يرققونه.
• التأثير الفونولوجي للأمازيغية على الدارجة، مثلا تسكين الحرف الاول في الامازيغية انتقل للدارجة، عكس اللغة العربية التي تبدا دائما بمتحرك.
• في الدارجة تم إزالة المد و همزة القطع، لانهما لا ينطقان في الامازيغية، عكس اللغة العربية.
• التأثير الصرفي و النحوي للأمازيغية على الدارجة حتى لو كانت الكلمة عربية، مثلا غياب المثنى في الدارجة راجع لعدم وجوده في الامازيغية، عكس العربية.
• أيضا في التصغير، يتم تأنيثه حتى لوكان مذكر.
• لا يوجد فرق بين المذكر و المؤنث في ضمير المخاطب مع زمن الماضي في الامازيغية، نفسه في الدارجة “واش كليتي”؟ عكس اللغة العربية الفصحى.
• و غيرها الكثير من الأمثلة و النماذج لا يسعنا ذكرها كلها.
هي قواعد مستمدة من الامازيغية، بنيت عليها الدارجة بألفاظ من اللغة العربية، ومن هنا يمكن القول أن اللغة وسيلة و ليست هدفا. و التلاقح موجود بين الامازيغية و العربية مما نتج عنه لغة وسيطة هي الدارجة المغربية.


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...