الهجرة و وسائل الإعلام أو عندما حطت الحضارة العربية- الإسلامية الرحال بالأندلس (مقالة رأي)

بقلم : عبد الجليل ستيتو
الخطاب الموجه مع الأسف هنا بإسبانيا عبر بعض وسائل الإعلام حول الهجرة قد يعدو خطابا يمينيا متطرفا استحقاقيا بامتياز ينبذ الغير و يتعارض مع مقومات الشعوب ويعاكس الأفكار المجتمعية السائدة التي تؤمن بالتعددية و الإختلاف و القيم الكونية .
وخلافا لهاذا ،في نظرة تقدمية متقدمة من نوعها، إن الشعوب تدعومع حسن الحظ الى أن يتم إدماج الجميع في مجتمع مختلف على وشك البناء غير مجتمعها و ثقافتها و سيتم إثراء ذلك بلا وجل أو تردد، بمساهمات من ثقافات أخرى دون أن يحدث الركود أو انهيار الثقافة السائدة في المجتمع المضيف .
و هذا ما تبتغيه طبعا تلك الشعوب التواقة للإنعتاق المعرفي و الوجودي؛ و أن تكون كالآخرين و أن تكون أكثر من جزر معزولة و أن تمد الجسور بين مختلف الحساسيات و الظروف و العادات و الإيديولوجيات و الأديان لأن ما يوحدها حقا ليس أكثر من المودة و الإعتراف .
دعنا، ألا نعتاد و يصبح مألوفا لدينا رؤية النساء و الرجال و الأطفال في ظلام الليل تتقاذفهم لطمات الأمواج العاتية أو تخرجهم رجال الأمن من بين أجزاء محركات الناقلات أو من فوق عجلات الحافلات في رحلة هيتشكوكية غير مؤكدة محفوفة بالمخاطر ،بحثا عن رمق محتمل أو عن أفق جديد .
و قد يدفعنا هذا الى أن نتوق بدورنا إلى فجر يوم جديد لمن سلك الطريق الآمن من أدمغة أو لمن ركب الأهوال منهم و أنقد جلده و نجا ، حيث يدرك من يصلوا إلى هنا بين الضفتين أنهم يصلوا إلى أرضهم ؛ إلى مكانهم الذي هو المكان الرحب للجميع أيضا .
إن التسامح لوحده لا يكفي و يعتريه بعض من التعالي الهوياتي و النظرة الفوقية وإنما يلزم الحوار و التعايش الحميمي الدافئ و الإحتضان و التكامل بين مكونات الشعوب بمنطق إنساني نفعي برغماتي أي منطق ثقافي، أيام نهضة غرناطة و إشبيلية و بلد الوليد و بني قاسم و علي باي…
و الحوارطبعا، لا يؤذي أي طرف أبدا؛ و مع ذلك، فالتخيلات و التصورات الدعائية الموجهة هي حليفة للرفض و للتعصب عفا عنها الزمن في ظل التحولات الجيوستراتيجية الكبرى و هي تمثلات مغرضة ضيقة و جاهزة قبليا قد تكون مصلحية بصيغة المفرد.
كل هذا يستلزم بالتأكيد تحرير القيم الدينية من ظلم التاريخ ، و هذا نعتبره تأسيسا ملازما للإنسانية يجب أن يطبق كل يوم ويطبق على كل حادث.
وتشكل الهجرة في المجتمعات الديموقراطية تحديا آخر ، يعني التفكير في كيفية إدماج المهاجرين كمواطنين كاملي الحقوق ؛ و الحديث عن المواطنة يتطلب أخذ مسألة المشاركة الإجتماعية كواجب و حق بديهيين.
فالثقافات ، ليست تكثلات إسمنتية غير قابلة لللي ؛ إنها تشتغل وفق التدفقات البشرية عبر التاريخ ومن خلال الإستضافات المتبادلة عبر الأماكن وفي مجالات العبور، إنها ثورة ناعمة وثروة لا مادية تثري بعضها البعض دون تدافع و دون أن ندرك ذلك تماما .
فضلا عن كل هذا تعتبر الضيافة مؤشرا للإنسانية، و الرغبة في الإستضافة هو شعوربأداء مناسك لفريضة إنسانية و عقائدية بطريقة أو بأخرى علما أن من يحتضن ” الآخر ” بالرحب و القبول قد يصبح تلقائيا عدوا و خصما للنفور و الكزينفوبيا ؛ و نحن هنا جميعا زائرون عابرون .
لذا يجب أن نتضامن مع الكل و مع الجميع ، دون رسم أي حدود وجودية وهمية ، لا خارج منها و لا داخل فيها، متحررون و مقتنعون ، إن قمنا بذلك ،أننا سنتواصل بيننا كإخوة و سنتقدم معا و سنجرؤ على أن نترك الإنكماش الروحي و الثقافي بدافع قساوة برد شتاء التعصب و التمييز و نتقمص عباءة إطلالة الربيع الدافئ بالتحرر و قبول الغير .


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...