تحفيز مناخ الاستثمار ت الصيني بعد 19-COVID

جبوري عبد الحميد

تعتبر الصين الدولة الأولى التي عانت من جائحة الفيروس التاجي وأول دولة خرجت من الأزمة. بينما يتعلم العالم من تجربة البلاد في السيطرة على انتشار فيروس كورونا، يتطلع الخبراء الاقتصاديين من جميع انحاء العالم الى الاستراتيجيات التي نهجتها الصين من اجل إنعاش اقتصادها. 

وعلى غرار الدول الأخرى المتضررة من جائحة 19COVID، تباطأ الاقتصاد الصيني بشكل ملحوظ بعد أوامر الإغلاق في أواخر يناير. وانخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الأول من العام 2020 بنسبة 6.8% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019، بينما انخفض نصيب الفرد من الدخل بنسبة 3.9٪. وهذا هو أول انكماش من نوعه في الصين منذ أن بدأ الإبلاغ عن الناتج المحلي الإجمالي الفصلي في عام 1992 

وكجزء من خطط التحفيز، حث الحزب الشيوعي الصيني في أوائل مارس 2020 على التعجيل بتطوير “البنية الأساسية الجديدة” في ستة مجالات وهي: شبكات الجيل الخامس، والإنترنت الصناعية، وأنظمة السكك الحديدية بين المدن، مراكز البيانات، الذكاء الاصطناعي، ومحطات شحن السيارات الكهربائية.

لقد أثير مفهوم البنية الأساسية الجديد لأول مرة في مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي في الصين في عام 2018، ولكنه تحول مؤخراً إلى موضوع ساخن تحسباً لبرنامج تحفيز رئيسي في عام 2020. وفي العشرين من إبريل 2020، أكدت الهيئة الصينية العليا للتخطيط الاقتصادي، وهي اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، أن “البنية الأساسية الجديدة” سوف تركز على الإبداع التكنولوجي وشبكات المعلومات لدعم النمو العالي الجودة.

وفي مواجهة هذه التحديات الاقتصادية العصيبة، فمن المتوقع أن تعلن الحكومة الصينية عن حزمة تحفيز كبيرة من اجل النهوض بالاستثمارات لإعادة الاقتصاد إلى الحياة من جديد. ويذكرنا الموقف على أكثر من مستوى بالأزمة المالية العالمية في سنة 2008، عندما أنفقت الحكومة الصينية مبالغ هائلة لإعادة الحركة الاقتصادية الى وضعها الطبيعي.

ومع التركيز على الاستثمارات في التكنولوجيات المتقدمة والطاقة النظيفة، فإن تدابير التحفيز الصينية القادمة ستعمل على اعطاء الاقتصاد دفعة قوية في الأمد القريب من خلال توفير لبنات البناء اللازمة للمضي قدماً في وضع نموذج اقتصادي جديد ومستدام تحركه التكنولوجيا، وفيما يلي نتطرق لاهم البنيات التي حظيت بأولويات السياسة الاقتصادية للصين.

1–  البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية  

يشكل الانتقال الى الاعتماد على السيارات الكهربائية بدل السيارات التي تعتمد على الوقود الاحفوري أهمية حاسمة في تعزيز صناعة السيارات في الصين وخلق محرك جديدة للنمو وخفض الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري العالمي والحد من تلوث الهواء ايضا. ووفقاً لوزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات، فإن صناعة السيارات الكهربائية في الصين اجتذبت في نهاية سنة (2018 282 مليار دولار) من الاستثمارات .وتشير الدراسات إلى أن كهربة  50% إلى  75% من سيارات الركاب الصينية بحلول عام 2050 من شأنها أن تجنب ما يصل إلى( 230 مليون طن ) من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وهو ما يقل قليلاً عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في فرنسا الذ ي يقدر( ب293 مليون طن )

وباعتبار الصين انها أكبر سوق للسيارات الكهربائية على مستوى العالم فإنها تطمح الى زيادة الترويج للمركبات الكهربائية الجديدة وتحقيق هدف 25٪ في المبيعات السنوية في عام 2025، مقارنة مع 5٪ حاليا. وستكون الزيادة الكبيرة في البنية التحتية للشحن مهمة لخدمة الأسطول الحالي وكذلك لإقناع المستهلكين المترددين بشراء المركبات الكهربائية. من هذا المنطلق قد يلعب التحفيز دورا مهماً في مساعدة الصين في تلبية أهدافها في مجال السيارات الكهربائية، بما في ذلك زيادة الاستثمارات في توسيع البنية الأساسية للشحن الكهربائي وتوجيه إعانات الدعم الوطنية للمساعدة في تعزيز مبيعات السيارات الكهربائية.

2– الطاقات المتجددة

أثناء الأزمة المالية في الفترة 20072008، قامت العديد من الدول ــ بما في ذلك الصين ــ ببناء المزيد من محطات الفحم لتوليد الطاقة وتعزيز النمو.  غير ان دعم هذا التوجه مرة أخرى سوف يطرح إشكاليات عديدة سواء على المستوى البيئي أو الاقتصادي. بحيث ان الإبقاء على محطات الفحم الحالية وتلك التي هي قيد الإنشاء أن يؤدي الى انتاج 23 بليون طن من ثاني أكسيد الكربون –  أي ما يقارب 7 أضعاف مجموع انبعاثات الاتحاد الأوروبي من ثاني أكسيد الكربون في السنة الماضية. 

وتجسد الفرص في تسريع الاستثمار في الطاقات المتجددة والتكنولوجيات المتطورة. حيث أضحت ركيزة للنمو الاقتصادي بالنسبة للحكومات في مختلف أنحاء العالم، مما انعكس إيجابا على مستوى العدد المتزايد من الوظائف التي تم إنشاؤها في هذا القطاع.

ويعتبر الاستثمار في الطاقة النظيفة عاملاً رئيسياً في التعافي الاقتصادي في الولايات المتحدة بعد الركود الذي عم اقتصاديات أكبر الدول، الأمر الذي ساهم في زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2% إلى 3% بين أواخر سنة 2009 ومنتصف عام 2011. ويعمل في قطاع الطاقة المتجددة 777,000 شخص في جميع أنحاء الولايات المتحدة، أي ما يقرب من 5 أضعاف عدد الموظفين في صناعة الفحم. وبما إن الألواح الشمسية المصنعة في الصين أرخص بنسبة 20% من الألواح الأميركية، فمن المرجح ان يشغل هذا القطاع في الصين 9 اضعاف ما هو عليه في الولايات المتحدة. ومع هبوط أسعار النفط الى مستويات قياسية، يتعين على الحكومات ان تغير طريقة عملها وعدم تفويت الفرص التي يوفرها الاقتصاد الأخضر.

3– المدن الذكية وشبكة 5G

كانت فترة الحجر المنزلي التي امتدت لأكثر من شهرين سبباً في زيادة استخدام الإنترنت للعمل عن بعد، والاجتماعات الافتراضية، والتعليم عبر الإنترنت، الأمر الذي أدى إلى توسيع البنية الأساسية للشبكة الحالية إلى أقصى الحدود حيث أعلنت شركات الاتصالات الرائدة في الصين في فبراير على إنهاء بناء 250 ألف محطة أساسية في أنحاء البلاد بنهاية الربع الثالث قبل الموعد المخطط له من قبل. فشبكة 5G ليست أسرع ب 100 مرة من الجيل الرابع فقط، بل أنها سوف تحفز النمو في صناعة تكنولوجيا المعلومات في البلاد هذا من شأنه أيضاً أن يحفز النمو في صناعة تكنولوجيا المعلومات في البلاد ب نحو(479 مليار دولار) أي ما يعادل  3,3 تريليون يوان (على مدى السنوات الخمس المقبلة.)

ويمكن لخطط التحفيز والاستثمار في هاته التقنية ان تحفز تكنولوجيات جديدة أخرى مرتبطة بها – مثل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية – لتسريع تنمية الاقتصاد الرقمي وجعل “المدن الذكية” حقيقة واقعة. وتظهر الأبحاث استثمارا بقيمة 275 مليار دولار في البنية التحتية ذات الصلة بـ 5G في جميع أنحاء الولايات المتحدة مما يمكن من خلق ما يصل إلى 3 ملايين وظيفة مما يعزز الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 500 مليار دولار. وستمكن هذه التكنولوجيات المدن من تقليل أوقات التنقل، وتحسين السلامة العامة، وتوليد كفاءة كبيرة في الشبكة الذكية.

4–  مدن صحية أكثر 

سلط وباء فيروس كورونا الضوء على أهمية بناء صين أكثر صحة. ويكمن مفتاح النجاح في خلق مدن صحية.

بالإضافة إلى إنشاء المزيد من المراكز الطبية والصحية، مثل المراكز الدائمة لمكافحة الأوبئة، فإن صناع القرار في الصين تبنوا نهجا أكثر شمولية على مستوى تصميم المدن على النحو الذي يحسن من صحة البشر.

ففي سنة 2016، وضعت الصين خطة عمل وطنية صحية لعام 2030 وخطة عمل مقابلة، “تضع الصحة كأولوية للتنمية “ترتكز على صحة كل الناس في الصين”.  بحيث ان هذه الخطة الطموحة، تهدف إلى الحد من تلوث الهواء والمياه والتربة وتنفيذ معايير صارمة للانبعاثات بالنسبة للصناعات؛ وتحسين السير وركوب الدراجات ومرافق التدريب والصحة العامة وتعزيز سلامة الطرق.

وتمثل الخطة تحولاً كبيراً على مستوى التدبير الصحي بالصين عبر اعتماد مبدا الوقاية أفضل من العلاج، والصحة لا تتحقق ببناء المستشفيات فحسب، بل إنها ترتكز أيضاً على إبقاء السكان في حالة بدنية وعقلية جيدة. فإعطاء الأولوية للاستثمارات التي تلتزم بتحقيق هدف الصين الصحي لعام 2030 لن يفيد صحة وسلامة عامة الناس في الصين فحسب، بل وسوف يعود أيضاً بفوائد اقتصادية وبيئية كبيرة على الوطن ككل  

ومن الأمثلة الجيدة على ذلك، الاستثمار في البنية الأساسية الخضراء مثل زراعة الأشجار والغابات الحضرية. فالأشجار والمناطق الطبيعية داخل المدن تعمل على تنظيف الهواء، وتخفيض درجات الحرارة، وخفض فواتير الطاقة، ودعم الصحة البدنية والعقلية، وتوفير الموطن البيئي للحياة البرية، وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ.

على سبيل المثال، تقدر الفوائد الاقتصادية المترتبة على الأشجار في حدائق مدينة نيويورك  مثلا بنحو 120 مليون دولار سنويا وتشمل هذه الفوائد خفض استخدام الطاقة في التدفئة بما قيمته 28 مليون دولار، وتحسين جودة الهواء بما قيمته 5 مليون دولار  وتخفيف   الفيضانات بما قيمته 36 مليون دولار ومن الفرص الرئيسية الأخرى للاستثمار بناء ممرات آمنة لركوب الدراجات، وممرات للمشاة، ومساحات عامة تشجع على المزيد من الانشطة المختلفة؛ وزيادة النقل المشترك ؛واقامة نظم افضل لإدارة  المياه والنفايات لتحسين المرافق الصحية وتقليل النفايات… 

ختاما ومع تعافي الصين من فيروس كورونا الجديد، فمن المرجح أن تحول السلطات الحكومية انتباهها من إدارة الأزمات إلى استعادة الاقتصاد باعتبار ان الوضع الاقتصادي المحلي والدولي يتطلب إرساء سياسة عمل حكومية متناسقة لتحفيز الاقتصاد. فبرغم أن مستويات الدين في الصين تحول دون تحفيز مستوى 2008، فمن المرجح أن يكون الإنفاق الحكومي هذه السنة هو الأضخم منذ ذلك الوقت. وسوف يستفيد المستثمرون الأجانب من اقتصاد ذو نسبة نمو مرتفعة ــ أو على الأقل يقترب منها. ومن ناحية أخرى، فإن اولئك الذين يعملون في مجالات مرتبطة بالبنية الأساسية الجديدة مثل التكنولوجيا المتطورة الناشئة والطاقة النظيفة قد يكون بوسعهم أن يستغلوا فرصا جديدة نتيجة لتدابير التحفيز الاستثماري المتبع من طرف دولة الصين.

                          جبوري عبد الحميد  طالب مغربي محضر للدكتوراه في دولة الصين     


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...