أنقرة تمنح واشنطن فرصة ثانية للتراجع عن أخطائها

صدى تيفي

لقد حدث ما كان يجب أن يحدث؛ وأثبتت طريقة حدوثه إلى أي مدى كان ما حدث صوابا ورائعا. لقد أكدت عملية “نبع السلام” العسكرية صواب السياسة التي تنتهجها تركيا منذ البداية؛ إذ كانت أنقرة تقول إن المنظمة الإرهابية (= المليشيات الكردية) في سوريا -التي تدعمها الولايات المتحدة علانية على الأرض وتصادق دول الاتحاد الأوروبي على تحركاتها- تشكل تهديدا يحدق بها.

كما كانت تقول إن هذه المنظمة الإرهابية -وبالدعم الذي تتلقاه من بعض الدول في مقدمتها دول أعضاء في حلف شمال الأطلسي (الناتو)- لا تهددها هي فحسب، وإنما تهدد كذلك الولايات المتحدة وأوروبا نفسها.

ربما لا يتمثل هذا التهديد في توجيه عناصر تلك المنظمة أسلحتهم باتجاه هذه الدول على المدى القريب؛ ولكنه يتمثل في التضحية بالمبادئ التي قامت عليها تلك البلدان لعدم اتساقها مع حمايتها لمنظمة إرهابية.

فتكليف هذه البلدان حزبَ العمال الكردستاني (بي كى كى) -الذي يعتبر منظمة إرهابية حتى في أعراف هذه الدول وتصنيفاتها- بمهمة مكافحة تنظيم “داعش”؛ دمّر تماما اتساق حكوماتها مع تلك المبادئ، بحيث انتهى وجوده فعلا.

“واشنطن قادرة على توجيه دفة الرأي العام العالمي كما تشاء بفضل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها حول العالم، وتستطيع أن تجعل من الإرهابيين أبطالا للحرية. غير أن تأثير قوة الرأي العام التي تنتجها صناعة الإعلام والعمر الافتراضي لهذا التأثير لا يستمران طويلا كما يظنون؛ ففي نهاية المطاف سيسألهم الشعب الأميركي: ماذا نفعل في سوريا؟”

كنا قد كتبنا يوم 10 أغسطس/آب الماضي أن تركيا تعرض -في الواقع- على الولايات المتحدة فرصة لتتراجع عن أخطائها السياسية الواضحة في منطقة شرق الفرات، وإن كان دعمها للإرهاب هناك أصبح مختلفا قليلا في ظل حكم الإدارة الأميركية الحالية.

إن واشنطن قادرة على توجيه دفة الرأي العام العالمي كما تشاء بفضل وسائل الإعلام التي تسيطر عليها حول العالم، وتستطيع أن تجعل من الإرهابيين أبطالا للحرية. غير أن تأثير قوة الرأي العام التي تنتجها صناعة الإعلام والعمر الافتراضي لهذا التأثير لا يستمران طويلا كما يظنون؛ ففي نهاية المطاف سيسألهم الشعب الأميركي: ماذا نفعل في سوريا؟

من وجهة نظري؛ فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يُعتبر من أفضل الأشخاص الذين يستمعون إلى آراء الشعب الأميركي ويحسون بنبضه. فرغم “صفقة القرن”، وسياسته المناهضة للمهاجرين، ومواقفه المعادية للإسلام؛ فإنه سياسي واقعي ويمثل آراء شعبه الحقيقية.

ومن ذلك أن آراءه في كل تلك القضايا هي للأسف آراء المواطن الأميركي العادي؛ فالرجل كان يعتبر -منذ بداية حكمه- أن الوجود الأميركي في سوريا والتعاون مع منظمة إرهابية مثل “بي كى كى” خطأ؛ لكنه عجز عن إقناع طبقة البيروقراطيين في بلده بذلك.

لماذا يصرّ البيروقراطيون الأميركيون ومؤسسات مثل وزارة الدفاع (البنتاغون) ووكالة الاستخبارات المركزية (سي آي أي) على انتهاج سياسية غير منطقية كهذه لن تحقق أي مصلحة للولايات المتحدة، بل ستجعلها تخسر مالها وسمعتها على المدى الطويل؟ إنها قضية جدلية تستحق النقاش.

إن سبب الوجود الأميركي في سوريا أو العراق هو فقط خدمة إسرائيل وحلفائها؛ فإلى أي مدى يمكن أن يتحمل الشعب الأميركي أن يرى دولة كبرى كبلاده تظهر وكأنها كرّست وجودها لصالح دولة تنشر الفتن كإسرائيل؟

إن أمن إسرائيل العدواني الذي يضر الجميع يكلف الولايات المتحدة ثمنا باهظا، وهو ما جعل الشعب الأميركي يشكل الآن رأيا عاما قويا في هذا الاتجاه، ويستحيل أن يكون ترامب لا يرى كل هذا.
صدى تيفي.

الرئيسية


شاهد أيضا
تعليقات الزوار
Loading...